كتاب الجُناة هو كتابٌ من الحجم الصغير (56 صفحة) أدرجَه السنوسي ضِمن مادّةِ أحد أعداد مجلّة "العرب" التي تُصدرها مطبعته : ذلك أنّه كان تحت طائلةِ حُكمٍ أصدرته السُّلَطُ الفرنسيّةُ القائمةُ بالبلادِ حينذاك يَقضي بِتغريمهِ بدفعِ مبلغٍ مالِيٍّ بِتُهمة " نشر سلسلة كتب قال حضرات القضات (كذا) أنّها دوريّةٌ لم تسمح بها حكومة الحِماية " ( راجع صفحة غلاف الكتاب)، فهو متلبّس في عُيون السلطة بتُهمة التَّضليل، ممّا يَحشُرهُ في زُمرة " الجُناة ".
خُطة الكاتبِ في دفع التُّهمة : يَذكرُ السنوسي في مُقدّمة الكتاب تلاعبَ السلطةِ بالقانون والتجريم لأغراضٍ سياسيّة ثمّ يسوقُ مجموعةَ مقالات لزملاء له طالَتهُم التّهمةُ نفسَها فحُشِروا في صفوف المُجرمين. اختارَ ثُلّةً من صفوةِ النُّخبة السياسِيّة من المُنتَمين إلى الحِزب الحُرّ الدُّستوري التّونِسي – الذي مضى على تأسيسهِ حوالي خمسُ سنوات – ومن النّقابِيّين من مُؤسّسي جامعَة عُموم العمَلة التُّونسيّة ( 1925) ومن الصّحافيّين والشعراء، والغالب على الظنّ أنّه استكتَبَهم بطريقةِ الاستجوابِ الصّحفي في موضوع " الجِنايات " المزعومَة التي تُنسب إليهم، ثمّ أثبتَ رُدودَهم. ويُمكن تصنيفُ الرُّدود إلى :
• شَهادات : لأحمد توفيق المدني – محيي الدين (القليبي) – الطاهر الحداد – أحمد حسين المهيري – حسين الجزيري.
• مُختارات لجماعة من مشاهير " الجناة " التونسيّين طالتهم ألوانُ العَسف جرّاء مَواقفِهم السياسيّةِ أو الفِكريّةِ : عبد العزيز الثعالبي – محمد السنوسي (والد المؤلف) – أحمد الدّرعي.
• شُعراء : محمد الشاذلي خزندار – محمد المكي بن حسين – سعيد أبو بكر.
وعلى هامش هذه النصوص أدرج المؤلّف شهادةً مُقتضبة لستّةٍ من أبناءِ المطويّة ( قرب قابس) لتُهمة النِّداء بسُقوط فرنسا. مقاصِد السنوسي من وراء كِتاب الجُناة : يكتسِبُ هذا الكُتَيّبُ – الوثيقةُ قيمتَه من اللهجة التحريضِيّة التي توَخّاها بعضُ المُستجوَبين وهي لهجة تصل إلى حدِّ مُناجاة السِّجن والتحبُّب إليه، مثلما وردَ في شَهادة أحمد توفيق المَدَنِي، مُشخِّصا السِّجنَ ومُخاطِبا إيّاه بـ : " أيُّها السجنُ السّامي الذّرى أيّها المكانُ المُعلّى ! أمَحِّضُك كلَّ حُبّي وأخُصُّك بعواطفِ احتِرامي، فأنتَ أستاذي في هذه الدّنيا، وأنتَ مُكوِّني فيها "...
ويُلخّصُ زين العابدين السنوسي "التّهم " التي جعلت من هؤلاء المُناضِلين "جُناة " في المطالِب التالِية : 1- حُرّية الفِكر والصّراحة في مُجابهَة الظُّلم فهم لا يسمّون الاستبدادَ حَزما ولا يتملّقون الحُكومة بِما ليسَ فيها، 2- أنّهم يؤيّدون الجنسيّة التونسيّة التي ينكرها حضرة سفير فرنسا ووزير خارجيّة المملكة التونسيّة، 3- أنّهم يُدافعون بِشهامةٍ عن الشرفِ التونسي ضدّ التّهَمِ والأضالِيل السَّافِلَة، 4- أنّهم ينشرون الأدب ويؤيّدون اللغة العربيّة والعلم، تلك قراءتُنا الأوليةُ لهذا الكتيّب الذي يُمثّل في نظرِنا إرهاصاتٍ لمعاركَ قريبةٍ قادمةٍ ستقتحمُها النُّخبُ التونسيّة : كمعركة كِتاب " امرأتنا .... " للطاهر الحدّاد ومعركة التجنيس (1930) ثمّ انشقاق جماعة الدّيوان السياسي للحزب الحرّ الدستوري (1934).كتاب الجُناة هو كتابٌ من الحجم الصغير (56 صفحة) أدرجَه السنوسي ضِمن مادّةِ أحد أعداد مجلّة "العرب" التي تُصدرها مطبعته .
كتاب الجناة – تأليف : زين العابدين السنوسي ، منشورات العرب 1925.