المجالس والمسايرات

ألّف القاضي النعمان "كتاب المجالس والمسايرات" على عهد الخليفة الفاطمي المعزّ لدين اللّه. وفيه نقل المؤلّف أحداثا وقعت بين سنتي 948/337 (تاريخ قدومه من طرابلس على عهد المنصور) و962/351 (خبر الإعذار الجماعي). وفيه دوّن ما سمعه من المعزّ "من حكمة وفائدة وعلم ومعرفة، عن مذاكرة في مجلس أو مقام أو مسايرة، وما تأدّى إليّ من ذلك عن بلاغ أو توقيع أو مكاتبة، على تأدية المعنى دون اللفظ حقيقة بلا زيادة ولا نقص" (ص 47).

ولئن قسّم القاضي النعمان كتابه إلى 28 جزءا، فإنّ مضامينه لم تخضع لأيّ تبويب أو تنظيم. ومن ثمّ بدت تلك المضامين خليطا من أغراض شتّى، منها سيرة آل البيت وبالخصوص سيرة المعزّ (سياسته الحربيّة، معاملته للوُلاة، رفقه بالرعيّة، نيل العلم الفطري بغير تحصيل، وصاياه...)، ومنها سيرة المؤلّف نفسه (التقصير في القضاء، تفسيره لعدد من آيات القرآن، توبيخ المنصور له، جمع الكتب واستنساخها على عهديْ المنصور والقائم...)، ومنها نُتف من المباحث الفقهيّة والكلاميّة (إنكار نكاح المتعة، توريث الفاطميّين لذوي الأرحام، في معنى القضاء، العدل الإلاهي، اختلاف الناس في الفتيا، في أحكام الحظر والإباحة، في معنى الإيمان، في وجوه التأويل)، فضلا عن التطرّق إلى مواضيع أدبيّة (كتمان السرّ، معنى الأمانة، ذمّ الحسد...). وبناء على ما تقدّم، يتبيّن فساد رأي آصف أصغر فيضي حين أدرج كتاب المجالس والمسايرات برمّته في باب "الوعظ".

غير أنّ ما حواه الكتاب من أشتات أغراضيّة لا يحجب قيمتها التوثيقيّة المهمّة نظرا إلى ما قيّده القاضي النعمان من أحداث ووقائع تاريخيّة كان شاهدا عليها ومعاينا لها (بالخصوص ثورة أبي يزيد مخلد بن كيداد بين سنتيْ 944/333 و947/336 ، ولاء قبيلة كتامة المطلق للدعوة الفاطميّة، سِيَر الخلفاء الفاطميّين، النزاع بين المعزّ صاحب إفريقيّة وعبد الرحمان الناصر الخليفة الأموي "المتغلّب بالأندلس"، عرض مضامين 16 فصلاً حواها كتاب حاكم الأندلس الموجّه إلى المعزّ والتعليق عليها).

وممّا يؤكّد قيمة كتاب المجالس والمسايرات أنّه كان يُدرّس، على ما يُروى، لطلبة العلم في المراحل الأولى من تعليمهم وذلك منذ القرن الرابع الهجري / العاشر للميلاد. وفضلا عن ذلك، يمكن اعتبار الكتاب المذكور "تكملة لافتتاح الدعوة، لا سيّما بالنسبة إلى عهد المعزّ لدين اللّه" وهو أيضا كتاب جامع بين "حيويّة الملاحظات ودقّة التفاصيل وغزارتها، ممّا يضفي على المجالس روعة أدبيّة، ويقدّم لنا النعمان لا فحسب في مظهر فقيه، بل أيضا في مظهر كاتب أنيق العبارة، وقصّاص بارع وصاحب "نوادر" غزير المادّة" (فرحات الدشراوي، الخلافة الفاطميّة بالمغرب، ص ص 22 ـ 23).