محمد الهادي بوزيد (شهر بن صالح) قاصّ وروائيّ تونسيّ ولد بنفطة سنة 1945 وتوفّي بتونس عام 2019. كان عضوا بنادي القصّة بالوردية، أصدر 22 نصّا سرديّا بين الرواية والمجموعات القصصيّة أرّخ بها، على طريقته السرديّة الخاصّة، لمرحلة هامّة من التحوّلات الاجتماعيّة والثقافيّة للبلاد التونسيّة على امتداد ثلاثة عقود أو يزيد.
تقديم النّص
Text presentation
Présentation du texte
حكي الأقاصيص:
تأخذك أقاصيص هذه المجموعة إلى "حلقات ملوّنة" من عالمها، لتعيش مع شخصيّات، تدرك من البداية أنّها صناعة أديب، وهبها الحياة، لتقوم بأدوارها (الخمّاس، العتّال، المتسوّل، السجين، بائعة الهوى، ...) وتنقل إلى القارئ متخيّلا سرديّا غاصّا بصور العنف الاجتماعيّ: صورة الشيخ "يَنْفُقُ" في خربة نتنة كالقطط السائبة (في "زاد مسافر إلى عالم آخر")، وصورة رجل عبثت بشرفه امرأة فطار عقله (في "هندسة في المستحيل")، وصورة المرأة السلعة (في "خلف باب مغلق")، وصورة اغتيال الحلم (في "باب العرش") وصورة ذئب الجشع يخطف أرواح الهامشيّين (في "رائحة الحرمل")، وصورة انكسار الحبّ في مجتمع الوجع في عديد الأقاصيص ...؛ حلقات ملوّنة من البؤس الدامي مزروعة في نصوص ترتّب فوضى الوجود.
فنّ القصّ:
ولدت أقاصيص "الحلقات الملوّنة" في رحم سياسيّ واجتماعيّ غير رحيم؛ إذ اتّخذت من واقع تونس زمن الاحتلال الفرنسيّ منطلقا لتشكيل متخيّلها السرديّ، وعملت على تعديد محافل السرد وطرائقه سبيلا إلى بناء عوالمها الفنيّة، فجاء هذا المتخيّل عنيفا يتقاتل على عتباته "قبح الواقع" و"حلم باهت ينطفئ". فوردت "الحلقات الملوّنة" عنيفة "تنبش في أحافير الوجع" وترفع عصا اللّغة في وجه مجتمع عنيف لا يبالي. وبرزت الأقاصيص مفكّكة الحبكة، ملوّنة التصوير، منوّعة التعبير، في لغة ساخرة دانية المأخذ قريبة من أفهام القرّاء قادرة على إنطاق الصمت ورسم لوحات تعبيريّة تفعّل الألوان في عوالم قصّ يغلبها السّواد.
معنى الأقاصيص:
تخترق الكتابة السّرديّة في "حلقات ملوّنة" عظام القبح والرّداءة، وتعبر بالقارئ إلى أعماق الشخصيّة القصصيّة ليطلّ على حجم المعاناة وثقل الحمل النّفسيّ الّذي تبديه الصّور المرسومة حتّى لا يكاد يُسمع في المجموعة إلاّ أنينُ الضّحايا تنوء تحت ثقل الرّزايا، وتوجّعُ المطحونين بآلة القهر الجسديّ واللّفظيّ والنّفسيّ الّذي يسكن فضاءاتٍ اجتماعيّةً عديدةً كالعائلة، والكتّاب، والقرية، والشّارع، وفضاء العمل...
"حلقات ملوّنة" نصوص قصصيّة ترفع إلى قارئها نداء حارّا إلى التّفاعل الفاعل مع أدب واقعيّ على عمق غائر في التّخييل والتّحليل يرسم وجوها مختلفة الألوان والصّيغ لجمهور "المعذّبين" في برّ تونس.