محمد الهادي بوزيد (شهر بن صالح) قاصّ وروائيّ تونسيّ ولد بنفطة سنة 1945 وتوفّي بتونس عام 2019. كان عضوا بنادي القصّة بالوردية، أصدر 22 نصّا سرديّا بين الرواية والمجموعات القصصيّة أرّخ بها، على طريقته السرديّة الخاصّة، لمرحلة هامّة من التحوّلات الاجتماعيّة والثقافيّة للبلاد التونسيّة على امتداد ثلاثة عقود أو يزيد.
تقديم النّص
Text presentation
Présentation du texte
في بيت العنكبوت حكاية "صالح القدري" وابنه محمود، يعيش الأوّل بائسا ذليلا في قريته النائية مع زوجة خائنة وبنت "تبيع اللذّة لمن يشتري". وحين "أكلته ألسنة الناس ولم يعد له وجه"، نزح إلى العاصمة مصطحبا ابنه محمود لعلّه ينجو. في العاصمة خاب عم صالح، وخاب حتّى غاب تحت عجلات شاحنة دهسته فأنهت مأساته.
الابن محمود انتشلته "قرية أطفال بورقيبة" صبيّا، فحمته وعلّمته حتّى تخرّج أستاذ رياضيّات. لكنّه لم يستطع التخلّص من إرث "أب تائه" و"أمّ تبيع اللذة" وأخت "ملأت الدنيا فضائح". فكان الثأر من "الجسد" الذي أذلّه بالدخول إلى "بيت العنكبوت". فكان الحبّ "المحرّم" ثمّ الضياع، إذ انفرط عقده والتوى حبل القصّ حول عنقه.
فنّ الحكاية:
نَسَجَ عُنْكُبُ الحكاية شبكة حكيِه من "أحابيل قصّ" و"حيل سرد". فأرسل بدءا شخصيّة "صالح" تسعى، وزرعها في بيئة من الأشواك والصبّار المدمي. ثمّ ألقى بشخصيّة "محمود" إلى ركح الأحداث المتشابكة فقدّمها في لغة بسيطة خالصة من الثقل البلاغيّ والزخرفة الزائدة في خطاب سرديّ أشبه بالحوار.
فجاءت الكتابة عمليّة تعرٍّ من السّواتر وبوحٍ بالكوامن، وانبنت الرواية على شعريّة القيد والحرّيّة: قيد الحرف واتّساع المعنى، طوق الذاكرة وتوق الولادة...
معنى الحكاية:
بيت العنكبوت كناية عن "الدنيا الغريرة" تنصب شراكها وتَصِيد ضحاياها من المهمّشين البسطاء ( صالح و زينة ومحمود..)، تصيدهم الدنيا وتعتصرهم وتمتصّهم ثمّ تلقي بهم هُزْلاً ضعافًا. يلتقتهم المؤلّف ليكتبهم، ويحكي هامشيّتهم، ويحفر عميقا في تربة الاحتياج والحرمان التي دفعتهم إلى النزوح والضياع و"بيع الجسد"، فيطرح بصدق فنيّ معضلة الذات الإنسانيّة بين المقدّر والمكتسب. ويخيّل بعمق أوضاعا حوّلت "الجسد" سلعة مشاعة «في سوق المتعة» خاضعة لعقود الإيجار والتبادل التجاريّ، ويحلّل أحوالا تتعامل مع المرأة "جسدا" يتجاذبه قطبا التحريم (العار، الشرف، ..) والإباحة (اللذّة، الاحتفال، ..)، فكانت حركة الجسد في النصّ وما رسمته فيه من هدم وبناء حركة توليد جديد جعلت من الرواية نصّ الاحتياج وأدب الاحتجاج معًا.