سهرت منه اللّيالي

سهرت منه الليالي مجموعة قصصية نشرت – كسائر أعماله – بعد وفاته. وقد جمع نصوصها عز الدين المدني وصدرت سنة 1969ضمن منشورات نادي القصة بتونس. يضم هذا الكتاب خمسة عشر نصا، منها "كنز الفقراء" وهي مترجمة عن غابريال دانونزيو، وقصتين مبتورتين هما "المصباح المظلم" و"أم حواء"، و"أحلام حدّي" وهي أقرب إلى التحقيق الصحفي ونقل الشعر الشعبي إلى الفصحى منها إلى القصة الفنية التخييلية. أما باقي الأقاصيص فهي تنهل من واقع المجتمع التونسي في فترة ما بين الحربين. وتعقد الأدوار الرئيسة بشخصيات شعبية منها المغنية والأرمل الفقير (الركن النيّر)، والمؤدب وزوجته (أمن تذكر جيران بذي سلم)، والسجين الذي أطلق سراحه حديثا (مجرم رغم أنفه)، وبائع الماء (موت العم باخير)، والزوجة الشابة التي تشكو انشغال زوجها عنها بالصحف (سهرت منه الليالي)، وفتاة المدينة العتيقة ضحية التربية المتشددة (سرّ الغرفة السابعة)، والرجل المحدث النعمة (نزهة رائقة). والجامع بين هذه الأقاصيص أنها تنحو منحى واقعيا وتصور نماذج اجتماعية تونسية في النصف الأول من القرن العشرين. وقد توخى فيها الدوعاجي أسلوبا ساخرا نأى فيه عن البهرج اللفظي والمحسنات، ولم يمتنع عن النهل من معين المعجم اليومي بما فيه من ألفاظ عامية ومعرَّبة. كما قامت نصوصه على وحدة الأثر من خلال التركيز على الموضوع وتجنب الإضافات والوعظ والتعليقات، واتّساق التصميم الذي يتضح في إحكام البناء والتشويق بحيث تؤدي كل معلومة دورا في القصة على غرار ما نجده في قصة "الركن النير"، ولحظة التنوير التي تشد القارئ إلى النهاية شدّا، ومثاله قصة "مجرم رغم أنفه" التي يدرك المتكلم في ختامها أنه كان يشكو تعاسته إلى أصم أبكم. ولئن كانت أغلب الشخصيات شاذّة، فإن شذوذها محبب إلى النفس لأنها تنطوي في أعماقها على "ركن نيّر" يرفعها إلى مستوى النموذج الإنساني الذي قد لا يمتثل للمواضعات الاجتماعية أو الأخلاقية أو الدينية، غير أنه يمثّل العمق الإنساني النقيّ خير تمثيل. (محمّد القاضي)